رياضة تريند

نازحو سوريا أمام “شاشة” المونديال.. “تسلل” إلى هدف المتعة

عبر شاشات صغيرة، ينتقل عشرات النازحين في أحد مخيمات الشمال السوري إلى العالم الخارجي لمتابعة مونديال روسيا، فيشبعون شيئا من حبهم للرياضة، وينسون قليلاً من مآسي التهجير والنزوح.

خلال ساعات نقل المونديال يجتمع عشاق كرة القدم بأحد الخيام، التي تؤمّن البث المباشر للمباريات، وهي قليلة جداً، فيتابعونها بكل شغف، كل يشجع فريقه المفضّل، يفرحون قليلاً بفوز منتخبهم ثم ينسحبون إلى تعاستهم المعهودة في خيامهم.

“رامي السيد”، أحد الناشطين السوريين النازحين القلائل الذي يملكون شاشة تلفاز، مع جهاز بث مباشر، يقوم بوضعه نهاراً داخل خيمته وليلاً خارجها ويستقبل يوميا عشرات المشجعين.

يقول “السيد”، لمراسل الأناضول، “جاءتني الفكرة بعد أن سألني عدد من الأشخاص قبل انطلاق مونديال 2018 عن كيفية مشاهدة المباريات عبر البث المباشر، فحاولت مساعدة النازحين بالبحث عن فكرة لخدمة تلك الشريحة المحبة للرياضة”

ويضيف: “استخدمت شاشة أحضرتها معي من جنوب دمشق بحجم 20 بوصة، وبت أضعها بجانب خيمتي وقت بث المباريات”.

ويعرض “السيد” الصعوبات، التي واجهته لتنفيذ فكرته، قائلاً: “نظراً لصغر حجم الشاشة تواصلت مع بعض المنظمات لمساعدتنا على شراء شاشة أكبر، لكنهم رفضوا، فاضطررت لاستخدام الشاشة التي أمتلكها رغم صغرها”.

غير أنه اصطدم بعائق آخر وهو ضعف شبكة الإنترنت، والذي جعل بث المباريات بصورة غير واضحة، “فاشتريت جهاز بث مباشر ليتمكن كل من في المخيم من مشاهدة المباريات بصورة أوضح”، يقول السيد.

يبدأ “السيد” وأصدقائه قبل بدء المباراة ليلاً بإخراج الشاشة الى جانب الخيمة، يفرشون الأرض بشادر كبير ليتمكن المشاهدون من الجلوس عليه، ويبدأ المهجرون بالتجمّع في تلك البقعة الصغيرة، تبدأ المباراة وترى أنظار الجميع شاخصة نحو الشاشة الصغيرة، الأطفال في المقدمة وخلفهم الشبان الأكبر سناً.

ومن بين المشجعين عدد كبير من الأطفال بعضهم لف نفسه بعلم الفريق الذي يشجعه، وآخر يتابع عن كثب ويحاول أن يفهم قواعد اللعبة.

كما أن المشجعين يضمون خليطاً من مختلف المناطق التي هجرها النظام وحلفاؤه، بينها الغوطة الشرقية وريف حمص وداريا وجنوب دمشق، يجمعهم حب كرة القدم ومآساة النزوح والتهجير.

لم تكن مشاهدة مباريات النهار بسهولة مباريات الليل، نظراً لصعوبة رؤية الشاشة تحت ضوء الشمس، فكان اجتماع أهالي المخيم دوماً في الليل إذ أن الطقس أقل حرارة وصورة الشاشة أوضح، أما في النهار فقد اختصر المشاهدون على عدد قليل من الأشخاص داخل الخيمة، بحسب “السيد”.

ويتابع: “أجمل ما في الموضوع هو زيادة حضور الأطفال لمشاهدة المباريات بسبب عدم توافر تلفاز في خيامهم أو أي نشاط يملؤون به وقتهم”.

ويضيف: “نستخدم لوح للطاقة الشمسية وبطاريات لتشغيل الشاشة، إضافة إلى جهاز استقبال خاص، هذه قدراتنا ونتمنى أن نوسع عملنا، ولكن لا توجد لدينا إمكانيات، وبقدر استطاعتنا نحاول أن نجد متنفس للموجودين في المخيم”.

ولا تخلوا الخيام، التي تحظى بنقل المباريات من مظاهر التشجيع، فالحاضرون يعلقون أعلام الفرق قبل المباراة ثم يجلسون على الأرض أو على فراش رقيق بسعادة، وكأنهم تمكنوا من حضور المباريات في الاستاد.

ويوضح “السيد” أن مباريات كأس العالم كانت المتنفس الوحيد لعشاق الرياضة، ورغم بساطة الوضع والتجهيزات إلا أن الجميع سعداء، فهم غير قادرين على الذهاب الى متنزه أو مطعم لحضور تلك المباريات لأن المخيم بعيد جداً عن أقرب منطقة سكنية، فوجدوا هذه الفكرة بادرة طيبة تدخل السعادة على قلوبهم.

من جهته يقول أحد الشبان المتابعين لكرة القدم، في حديث للأناضول: “هذا المونديال قاسٍ وصعب لأننا فقدنا الكثير من أصدقائنا أثناء تواجدنا في مناطقنا التي سيطرت عليها قوات النظام السوري”.

ويضيف: “في الماضي كنا نجلس في بيوتنا مع أصدقائنا ليشجع كلاً منا فريقه، وها نحن اليوم نفتقد لجو الحماس الذي كنا نعيشه في مونديال 2014.

ويتابع: “قبل تهجيرنا، وبالرغم من الحصار والمعارك والقصف، إلا أننا كنا في أحضان منازلنا”.

ويقول شاب آخر يتابع المونديال عن كثب: “لم يستطع الشبان لعب كرة القدم، التي عشقوها منذ وصولهم المخيم، إلا أن الفرحة غمرتهم لقدرتهم على مشاهدة المونديال رغم كل الظروف القاسية”.

ومنذ منتصف مارس/ آذار 2011، تطالب المعارضة السورية بإنهاء أكثر من 44 عامًا من حكم عائلة الأسد، وإقامة دولة ديمقراطية يتم فيها تداول السلطة.

غير أن النظام السوري اعتمد الخيار العسكري لوقف الاحتجاجات، ودفع سوريا إلى دوامة من العنف، جسّدتها معارك دموية بين القوات النظام والمعارضة، لا تزال مستمرة حتى اليوم وسقط خلالها آلاف القتلى، وشردت الملايين بين الداخل والخارج، بحسب إحصائيات أممية.

المصدر
الأناضول
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى