المغرب العربي

تتويج حفظة القرآن في الجزائر نهاية رمضان.. عادة راسخة منذ قرون

ينتظر آلاف الأطفال، وحتى الكبار من حفظة القرآن الكريم، آخر أيام شهر رمضان من كل عام في الجزائر، من أجل الحصول على تكريم خاص في المساجد، في حفلات دينية تتم بعد أداء صلاة التراويح وأحيانا قبلها.

لا يختلف تتويج الأئمة وحُفّاظ القرآن الكريم في مساجد الجزائر كثيرا عن عملية تقليد الرتب العسكرية في الجيوش.

ففي العرف والتقليد القديم المتبع في مساجد جزائرية، يحصل طالب الدين الاسلامي على 3 رتب دينية، تكون الرتبة الأولى عندما يتمكن من حفظ القرآن الكريم كاملا، والثانية عندما يتمكن من حفظ القرآن الكريم مع أسانيد للحديث الشريف، أما الثالثة فهي عندما يحصل إجازة دينية من شيخين (عالمين) من شيوخ الإسلام هذه الإجازة تسمح له بالإفتاء.

هذا التقليد الذي بدأ في الزوال في بعض المناطق الجزائرية، ما يزال موجودا في عدد كبير من المدن.

تتمسك بعض المساجد الجزائرية بشكل خاص المساجد التي تضم مدارس قرآنية أو ما يصطلح على تسمتها بـ”الكتاتيب”، بعادة تتويج الأئمة الشباب وحفظة القرآن الكريم.

هذه العادة التي تعود إلى مئات السنين، ما زالت موجودة إلى اليوم، وهي تقليد تتمسك به بعض المساجد الجزائرية و”الزوايا” (مدارس قرآنية تتبع الطرق الصوفية).

** طقوس تتويج طلبة العلوم الدينية

في نهاية رمضان من كل عام، في ليالي 27 و28 و29 من الشهر، تشهد مساجد معينة في مدن جزائرية طقوسا خاصة، تسمى تتويج الأئمة أو تتويج حفظة القرآن الكريم.

ويقول يوسف بن عفيف، إمام مسجد الخلفاء، في محافظة أدرار (1400 كلم جنوب غرب الجزائر) “تحتفل مساجد الجزائر ومدراس القرآن فيها منذ قرن عديدة بحفظة القرآن الكريم في حفلات دينية يحضرها كبار المشايخ والأئمة”.

وأوضح بن عفيف “ومن بين شروط تنظيم حفلة التتويج للأئمة الشباب وحفظة القرآن الكريم، أن يتفق أئمة المدينة جميعا أو أغلبهم على حضور الاحتفال الديني الكبير في مسجد معين، يكون غالبا إما أكبر مسجد في المدينة، أو مسجد ملحق بمدرسة قرآنية”.

وتابع “يحضر في الاحتفال الشباب وصغار السن من حفظة القرآن الكريم، ويبدأ الاحتفال بتلاوة سورة الفتح من القرآن، ثم إنشاد قصيدة البردة، في مديح النبي (عليه الصلاة والسلام)، على أن يتم إنشاد قصيدة البردة في كل مرة يتم فيها تتويج شاب أو طفل من حفظة القرآن”.

وحسب محدثنا “يحضر كل طالب من الطلبة معه حقيبة توضع فيها عباءة بيضاء وعمامة بيضاء وزجاجة عطر، ويبدأ الطلبة في الحضور أمام مجموعة من مشايخ الدين والأئمة فيقومون بتقبيل يد الشيخ الذي تلقوا العلم على يده”.

وتنتشر عادة تقبيل يد “الشيخ المعلم” بشكل خاص في مساجد الجنوب الجزائري، “ثم يبدأ المشايخ في تتويج الطالب بالعباءة البيضاء، والعمامة البيضاء، ويكون ملزما طبقا للتقليد القديم بالبقاء مرتديا للعمامة البيضاء طيلة حياته، وتنتهي مراسيم تتويج الأئمة الجدد بالدعاء لهم، وبسكب بعض العطور فوق عماماتهم” حسب بن عفيف.

** إجازة الشيوخ مرة كل 20 عاما

ويقول الشيخ عبد الله زحاف، إمام مسجد عقبة بن نافع، من مدينة عين صالح ( 1300 كلم جنوب الجزائر)، “في التقاليد القديمة لتتويج الأئمة وحفظة كتاب الله، يحرص الأئمة الكبار على تنظيم الحفلات الدينية لتتويج الأئمة الجدد في آخر 5 أيام من شهر رمضان الفضيل، وهذا على اعتبار أن شهر رمضان هو شهر القرآن، ومن باب أولى أن يكرم حفظة القرآن في شهر القرآن”.

ويضيف الشيخ زحاف، للأناضول، “درجت العادة في بعض المساجد على نثر الزعفران فوق رؤوس الطلبة على اعتبار أن الزعفران غالي الثمن”.

ويوضح أن “تتويج الأئمة ينقسم إلى مستويات، أولا تتويج كل من يستظهر القرآن الكريم، وهذا يتم لصالح عدد كبير من الشباب، مباشرة بعد أن يتم تتويج من يحفظ كتاب الله، والذي يسمى في العرف القديم الطالب، ويبقى هذا اللقب ملازما له طيلة حياته، والطلبة في العادة يوجهون لتدريس القرآن”.

ووفق محدثنا “لا يتم تتويج سوى من يحفظ كتاب الله، وبعض القصائد، التي تتضمن قواعد ومبادئ النحو والصرف في اللغة وتسمى المتون، وأما الحالة الثانية فهي عندما يحفظ القرآن ومعه أسانيد للحديث النبوي وأبرزها موطأ الإمام مالك، على اعتبار أن الجزائر تدين بالمذهب المالكي السني في أغلبها”.

وحسب الشيخ زحاف، “يبقى من يتوج من حفظة القرآن والأحاديث يحمل صفة طالب، وفي المرحلة الثالثة يتوج شيخا (عالم)، وهذه هي أعلى المراتب، ويحتاج الشيخ لإجازة من شيخين على الأقل من كبار المشايخ، ويكون هنا حجة في الدين ومن حقه الإفتاء، وفي العادة لا تحدث حفلات إجاز الشيوخ إلا مرة كل 20 عاما وربما أكثر”.

ويضيف “تراجعت هذه العادات القديمة والراسخة في الجزائر خاصة مع تزايد نفوذ التيار الديني السلفي إلا أنها بقيت موجودة بشكل خاص في الزوايا والمساجد القديمة”.

** حفظ شاب أمازيغي للقرآن إنجاز يستحق التكريم

ويقول الدكتور عكاشة بنادر، أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة أدرار (1400 كلم جنوب غرب الجزائر) “تؤكد الروايات التاريخية المتواترة أن عادة تتويج حفظة القرآن والتي تنتشر في مساجد بدول إسلامية عديدة تعود إلى القرن الثاني الهجري”.

وأوضح بنادر، للأناضول، “والسبب، كما تقول الروايات التاريخية ذاتها، دخول غير المتكلمين باللغة العربية في الإسلام، وبما أنهم لا يتكلمون اللغة العربية فإن حفظ القرآن بالنسبة لهم أمر شديد الصعوبة، وهو ما حول حفظ القرآن بالنسبة للشخص غير العربي إلى إنجاز يستحق التكريم والاحتفال”.

ومن المعروف تاريخيا أن السكان الأصليين في منطقة المغرب العربي، حسب محدثنا كانوا من الأمازيغ غير المتحدثين باللغة العربية “ولهذا كانت عملية حفظ القرآن بالنسبة لهم أيضا إنجازا مهما يستحق التكريم”.

وأضاف “ومن هنا نفهم سر تتويج حفظة القرآن بشكل خاص في المغرب العربي بالعمامة، وهي لباس عربي، للإشارة إلى أنه يتقن اللغة العربية، ومن هنا أيضا بدأت حفلات تكريم وتتويج حفظة كتاب الله في هذه البلاد”.

المصدر
القدس العربي
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى