السعودية

قصة لا تنسى للملك عبدالعزيز وأول سفير روسي قتله ستالين

لم يكن “الباشا الأحمر”، كريم حكيموف، مجرد سفير للاتحاد السوفييتي في #السعودية خلال عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، بل كان أيضاً صديقاً مقرباً للملك عبد العزيز آل سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية. فهذا الدبلوماسي المسلم أبدى ولعاً شديداً بثقافة العرب وحياة البادية، إضافة إلى كونه مهندس العلاقات السعودية – الروسية منذ وقت مبكر من تأسيس المملكة على يد الملك عبدالعزيز، الذي أبدى اهتماماً بقضية المسلمين السوفييت ومعاناتهم آنذاك.

حكيموف كان شعرة معاوية التي قصمت ظهر العلاقات السعودية – الروسية أيضاً في تلك الآونة، وذلك على يد “ستالين” الذي تولى السلطة في الاتحاد السوفييتي، وبدأ حقبة التشدد والتضخم الإيديولوجي أو ما تعرف بفترة “الإرهاب الكبير”، كما وصفها الكاتب السعودي عبدالله الرشيد في مقال نشره بصحيفة “عكاظ” السبت، تحت عنوان: زيارة الملك عبدالعزيز لكريم حكيموف.. ودموع خديجة خانم “2”.

ففي شقة مطلة على شارع لينين، عاشت خديجة خانم مع ابنتها فلورا وحفيدتها مارينا، وهناك كتبت مجلة “المجلة” آخر قصة لحكيموف كما روتها السيدة التي تقدم بها العمر، حيث كان عمرها آنذاك 90 عاماً.

خديجة التي قال الكاتب الرشيد إنها نفضت غبار التاريخ عن ذاكرتها، استرجعت شريط حياتها بدءاً من النهاية حيث شتاء عام 1937، وهنا يكمل الرشيد الحديث، نقلاً عن المجلة التي تحدثت لها خديجة خانم، قائلاً: “في ذلك الشتاء القارس حلت بنا المأساة، لقد داهموه في منتصف الليل، وانتزعوه من بيننا، وحملوه في سيارة سوداء كنت أراقبها عن بعد ومعي فلورا الصغيرة ابنتي إلى أن غابت بعيداً في شوارع موسكو التي كانت تكسوها الثلوج البيضاء.. أخذوه وذهب إلى الأبد.. لقد انقطعت أخباره منذ تلك اللحظة، ووصلتنا روايات متعددة حول مصيره، ولكن المؤكد أنه لاقى المصير نفسه الذي لاقاه الآلاف غيره”.

عن حياتها في السعودية مع حكيموف، تتحدث خديجة خانم عن زيارة الملك عبدالعزيز إلى منزلهم في جدة، تلك الزيارة التي كان لها أثر نفسي وعاطفي بالغ عليها، فهي مرتبطة بذكرى ابنها شامل الذي توفي في جدة، ووري جثمانه في الديارة المقدسة.

قالت خديجة: “الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه ذلك الزعيم الذي ترتعد فرائص الرجال خوفاً منه، ومهابة، كان عطوفاً طيب القلب، وكنا نشعر أنه يخصنا بمعاملة خاصة، وذلك ربما كان يشعر بمدى ما يعانيه المسلمون #السوفييتعلى أيدي رجال ستالين”.

وتابعت: “أتذكر آخر زيارة له وما دار خلالها، لقد جاء مشياً تحيط به ثلة من المرافقين، وعندما شاهد حكيموف جلالته وهو مقبل هرع على الفور مُرحباً كعادته، فدخل جلالته ومرافقوه إلى ديوان الضيوف في الطابق الأرضي من منزلها الذي كان هو نفسه مقر القنصلية. جلس زوجي مقابل الملك عبدالعزيز، فانهمكا في حديث ودي تخللته أسئلة سمعت جلالته يطرحها، وأغلبها يتعلق بأوضاع المسلمين في الاتحاد السوفييتي وأحوال البلاد والمشاريع الاقتصادية الجديدة التي تنفذ هناك”.

وأضافت خديجة خانم: “في الأثناء كنت في الغرفة المجاورة، أحاول متابعة الحديث بين جلالته وحكيموف، لقد كنت أحاول التغلب على حزني ودموعي، وأحاول كبت ما في نفسي، لكنني وفي لحظة تغلبت فيها العاطفة على العقل لم أتمكن من السيطرة على ما كنت أقاومه فانفجرت باكية وبصوت مرتفع”.

عندها تنبه الملك عبدالعزيز لبكاء خديجة، فسأل حكيموف بصوت مرتفع وبتأثر واضح: يا حاج عبدالكريم إنني أسمع نحيباً فما سبب هذا النحيب. لعله خير إن شاء الله؟ هنا رد حكيموف مرتبكاً وهو يحاول إخفاء انفعاله: إنها زوجتي يا طويل العمر، لقد وافت المنية ولدي الصغير شامل ليلة أمس. بعد إصابته بمرض الزحار (داء يصيب الأمعاء) الذي أودى بحياته، والكلام لخديجة خانم.

تصف خديجة هذه اللحظات بالارتياح الشديد عندما هب الملك عبدالعزيز واقفاً واستأذن الدخول إلى جثمان شامل مقترباً منه وردد مرات عدة، يرحمه الله، يرحمه الله، وألهمكم شأنه الصبر والسلوان.

كانت لحظة لا يمكن وصفها، تختم خديجة كلامها: “شعرت كم أن هذا الرجل الذي اهتزت من مهابته كثبان الجزيرة العربية وصحاريها متواضع غاية في التواضع، إنه تواضع المؤمن والقوي. لقد أمر رحمه الله بإقامة عزاء رسمي، وأمر بأن يدفن ابننا شامل في مكة المكرمة”.

في 6 أيلول/سبتمبر استدعي حكيموف إلى موسكو حيث اعتقل، ثم أعدم رمياً بالرصاص في 10 كانون الثاني/يناير عام 1938. قبل ذهابه إلى موسكو، اقترح الملك عبد العزيز آل سعود، على حكيموف اللجوء السياسي في السعودية بعد تلقيه برقية من موسكو تطالب بعودته الفورية إلى الاتحاد السوفييتي، لكن حكيموف رفض هذا الاقتراح. وفي عام 1938 اتخذ الملك عبدالعزيز قراراً بعدم استقبال سفير سوفييتي جديد، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع الاتحاد السوفييتي احتجاجاً على إعدام صديقيه كريم حكيموف ونظير تيوراكولوف.

 العربية
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى